فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)}.
أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون وخاطب موسى وحده تشريفًا له ويحتمل أن هارون أوحي إليه مع ملك أن ينفذ، و{بآياتي} معناه بعلاماتي التي أعطيتكموها من معجزة وآية ووحي وأمر ونهي كالتوراة، و{تنيا} معناه تضعفا وتبطيًا تقول وَنَا فلان في أمر كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف ومنه قول الشاعر: المضارع:
فما أنا بالواني ** ولا الضرع الغمر

والونى الكلال والفتور والفشل في البهائم والإنس، وفي مصحف ابن مسعود {ولا تهنا في ذكري} معناه ولا تلينا من قولك هين لين والقول اللين قالت فرقة: معناه كنياه وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الوجه، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول. وقوله: {لعله} معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر وقرأ الجمهور: {يَفُرط} بفتح الياء وضم الراء ومعناه يعجل ويسرع بمكروه فينا ومنه فارط في الماء وهو الذي يتقدم القوم إليه قال الشاعر القطامي عمير بن شييم: البسيط:
واستعجلوا وكانوا من صحابتنا ** كما تعجَّل فرّاط لورّاد

وقالت فرقة {يُفرِط} بضم الياء وكسر الراء ومعناه يشتط في إذايتنا، وقرأ ابن محيص {يُفرَط} بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل على التسرع إلينا.
قوله عز وجل: {إنني معكما أسمع وأرى}. يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون، وهذا كما تقول الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه و{أسمع وأرى} عبارتان عن الإدراك لا تخفى معه خافية تبارك الله رب العالمين.
{فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ}.
المعنى {فأتيا} فرعون فأعلماه أنكما رسولاي إليه وعبر بفرعون تحقيرًا له إذ كان هو يدعي الربوبية ثم أمر بدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من غل خدمة القبط وقد تقدم في هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان وهذه جملة ما دعي إليه فرعون والإيمان وإرسال بني إسرائيل، والظاهر أن رسالته إليه ليست على حد إرساله إلى بني إسرائيل، وتعذيب بني إسرائيل كان ذبح أولادهم وتسخيرهم وإذلالهم والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد وقالا {جئناك} والجائي بها موسى تجوزًا من حيث كانا مشتركين وقوله عليه السلام {من اتبع الهدى} يحتمل أن يكون آخر كلام وفصله فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحية كأنهما رغبًا بها عنه وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول فسلما على متبع الهدى وفي هذا توبيخ له ع: وعلى هذه الجهة استعمل الناس هذه الآية في مخاطبتهم ومحاوراتهم ويحتمل أن يكون في درج القول متصلًا بقوله: {إنا قد أوحي إلينا} فيقوى على هذا أن يكون خبرًا بأن السلامة للمهتدين، وهذان المعنيان قالت كل واحد منهما فرقة، لكن دون هذا التلخيص، وقالوا {السلام} بمعنى السلامة وعلى بمعنى اللام أي السلام ل {من اتبع الهدى} ولما فرغا من المقالة التي أمر بها عن قوله: {وتولى} خاطبهما فرعون، وفي سرد هذه الآية حذف يدل عليه ظاهر الكلام تقديره فأتياه فلما قالا جميع ما أمرا به قال لهما فرعون {فمن ربكما}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{اذهب أنت وأخوك بآياتي}.
وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها العصا واليد.
وقد يُذْكَر الاثنان بلفظ الجمع.
والثاني: العصا واليد وحَلُّ العُقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها، ذكرهما ابن الأنباري.
والثالث: الآيات التسع.
والأول أصح.
قوله تعالى: {ولا تَنِيَا} قال ابن قتيبة: لا تَضْعُفا ولا تفْتُرا؛ يقال: ونَى يني في الأمر؛ وفيه لغة أخرى: وَنَيَ، يونى.
وفي المراد بالذِّكْر هاهنا قولان:
أحدهما: أنه الرسالة إِلى فرعون.
والثاني: أنه القيام بالفرائض والتسبيحُ والتهليل.
قوله تعالى: {اذهبا إِلى فرعون}.
فائدة تكرار الأمر بالذهاب، التوكيد.
وقد فسرنا قوله: {إِنه طغى} [طه: 24].
قوله تعالى: {فقولا له قولًا ليِّنًا} وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: {ليْنا} باسكان الياء، أي: لطفيًا رفيقًا.
وللمفسرين فيه خمسة أقوال:
أحدها: قولا له: قل: {لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له}، رواه خالد ابن معدان عن معاذ، والضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنه قوله: {هل لك إِلى أن تَزَكَّى وأَهْدِيَكَ إِلى ربِّك فتخشى} [النازعات: 18، 19]، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.
والثالث: كنِّيَاه، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي.
فأما اسمه، فقد ذكرناه في [البقرة: 49].
وفي كنيته أربعة أقوال:
أحدها: أبو مُرَّة، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أبو مصعب، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: أبو العباس.
والرابع: أبو الوليد، حكاهما الثعلبي.
والقول الرابع: قولا له: إِن لكَ ربًّا، وإِن لكَ مَعَادًا، وإِن بين يديكَ جَنَّة ونارًا، قاله الحسن.
والخامس: أن القول اللين: أن موسى أتاه، فقال له: تؤمن بما جئتُ به وتعبد ربَّ العالمين، على أن لكَ شبابك فلا تهرم، وتكون مَلِكًا لا يُنزع منك حتى تموت، فإذا متَّ دخلتَ الجنة، فأعجبه ذلك؛ فلما جاء هامان، أخبره بما قال موسى، فقال: قد كنتُ أرى أن لكَ رأيًا، أنت ربٌّ أردتَ أن تكون مربوبًا؟! فقلبه عن رأيه، قاله السدي.
وحكي عن يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية، فقال: إِلهي هذا رِفقك بمن يقول: أنا إله، فكيف رِفقك بمن يقول: أنت إِله.
قوله تعالى: {لَعَلَّه يتذكر أو يخشى} قال الزجاج: لَعَلَّ في اللغة: ترجٍّ وطمع، تقول: لَعَلِّي أصير إِلى خير، فخاطب الله عز وجل العباد بما يعقلون.
والمعنى عند سيبويه: اذهبا على رجائكما وطمعكما.
والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون، وقد عَلِم أنه لا يتذكر ولا يخشى، إِلا أن الحُجَّة إِنما تجب عليه بالآية والبرهان، وإِنما تُبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري أيُقبل منها، أم لا، وهم يرجون ويطمعون أن يُقبل منهم، ومعنى لعلَّ متصوَّر في أنفسهم، وعلى تصوُّر ذلك تقوم الحُجَّة.
قال ابن الأنباري: ومذهب الفراء في هذا: كي يتذكَّر.
وروى خالد بن معدان عن معاذ قال: والله ما كان فرعون ليخرج من الدنيا حتى يتذكَّر أو يَخْشى، لهذه الآية، وإِنَّه تذكَّر وخشي لمَّا أدركه الغرق.
وقال كعب: والذي يحلِفُ به كعب، إِنه لمكتوب في التوراة: فقولا له قولًا ليِّنًا، وسأقسِّي قلبه فلا يؤمن.
قال المفسرون: كان هارون يؤمئذ غائبًا بمصر، فأوحى الله تعالى إِلى هارون أن يتلقَّى موسى، فتلقَّاه على مرحلة، فقال له موسى: إِن الله تعالى أمرني أن آتيَ فرعون، فسألتُه أن يجعلكَ معي؛ فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا: ربَّنا إِننا نخاف.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون القائل لذلك موسى وحده، وأخبر الله عنه بالتثنية لمَّا ضم إِليه هارون، فإن العرب قد تُوقع التثنية على الواحد، فتقول: يا زيد قوما، يا حرسيُّ اضربا عنقه.
قوله تعالى: {أن يَفْرُط علينا} وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن السميفع، وابن يعمر، وأبو العالية: {أن يُفْرِط} برفع الياء وكسر الراء.
وقرأ عكرمة، وإِبراهيم النخعي: {أن يَفْرَط} بفتح الياء والراء.
وقرأ أبو رجاء العطاردي، وابن محيصن: {أن يُفْرَط} برفع الياء وفتح الراء.
قال الزجاج: المعنى، أن يبادر بعقوبتنا، يقال: قد فَرَط منه أمر، أي: قد بَدَر؛ وقد أفرط في الشيء: إِذا اشتطَّ فيه؛ وفرَّط في الشيء: إِذا قصَّر؛ ومعناه كلُّه: التقدم في الشيء، لأن الفَرَط في اللغة: المتقدِّم، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أنا فَرَطُكم على الحوض».
قوله تعالى: {أو أن يطغى} فيه قولان:
أحدهما: يستعصي، قاله مقاتل.
والثاني: يجاوز الحدَّ في الإِساءة إِلينا.
قال ابن زيد: نخاف أن يعجِّل علينا قبل أن نبلِّغه كلامك وأمرك.
قوله تعالى: {إِنني معكما} أي: بالنصرة والعون {أسمع} أقوالكم {وأرى} أفعالكم.
قال الكلبي: أسمعُ جوابَه لكما، وأرى ما يفعل بكما.
قوله تعالى: {فأَرسِلْ معنا بني إِسرائيل} أي: خلِّ عنهم {ولا تعذِّبهم} وكان يستعملهم في الأعمال الشاقَّة، {قد جئناكَ بآية من ربِّك} قال ابن عباس: هي العصا.
قال مقاتل: أظهر اليد في مقام، والعصا في مقام.
قوله تعالى: {والسلامُ على من اتَّبع الهُدى} قال مقاتل: على مَنْ آمن بالله.
قال الزجاج: وليس يعني به التحيَّة، وإِنما معناه: أن مَن اتَّبع الهُدى، سَلِم من عذاب الله وسخطه، والدليل على أنه ليس بسلام، أنه ليس بابتداء لقاءٍ وخطاب.
قوله تعالى: {على مَنْ كَذَّب} أي: بما جئنا به وأعرض عنه. اهـ.

.قال القرطبي:

{اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي}.
قال ابن عباس: يريد التسع الآيات التي أنزلت عليه.
{وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} قال ابن عباس: تضعفا أي في أمر الرسالة؛ وقاله قتادة.
وقيل: تفترا.
قال الشاعر:
فَمَا وَنَى محمدٌ مُذَ أن غَفَرْ ** له الإلهُ ما مَضَى وما غَبر

والْوَنَى الضَّعف والفتور، والكَلال والإعياء وكلّه مراد في الآية.
وقال امرؤ القيس:
مِسَحٍّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى ** أَثَرْنَ غُبارًا بالكَدِيدِ المرَكَّلِ

ويقال: ونيت في الأمر أنِي وَنًى ووَنْيًا أي ضَعُفت، فأنا وانٍ وناقة وانِية وأونيتها أنا أضعفتها وأتعبتها.
وفلان لا يَني كذا، أي لا يزال، وبه فَسَّر أبان معنى الآية واستشهد بقول طَرَفة:
كأنّ القُدُورَ الراسياتِ أَمامَهُمْ ** قبابٌ بَنَوْها لا تَنِي أبدًا تَغْلِي

وعن ابن عباس أيضًا: لا تبطئا.
وفي قراءة ابن مسعود {وَلاَ تَهِنا فِي ذِكرِي} وتحميدي وتمجيدي وتبليغ رسالتي.
{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}.
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {اذهبآ} قال في أول الآية: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} وقال هنا: {اذهبا} فقيل: أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون، وخاطب أولًا موسى وحده تشريفًا له؛ ثم كرر للتأكيد.
وقيل: بَيَّن بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما.
وقيل: الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس، والثاني بالذهاب إلى فرعون.
الثانية: في قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}.
وقال: {لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى} فكيف بنا فنحن أولى بذلك.
وحينئذٍ يحصل الآمر أو الناهي على مرغوبه، ويظفر بمطلوبه؛ وهذا واضح.
الثالثة: واختلف الناس في معنى قوله: {لَيِّنًا} فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة: معناه كَنِّياه؛ وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي.
ثم قيل: وكنيته أبو العباس.
وقيل: أبو الوليد.
وقيل: أبو مرة؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيهًا ذا شرف وطُمِع بإسلامه.
وقد يجوز ذلك وإن لم يُطمَع بإسلامه؛ لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملًا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه، ومن الإكرام دعاؤه بالكُنية.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: «انزل أبا وهب» فكناه.
وقال لسعد: «ألم تسمع ما يقوله أبو حُبَاب» يعني عبد الله بن أبيّ.
وروي في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة، لا يجد رسولًا يبلغ كلامًا حتى خرج.
فجرى له ما قصّ الله علينا من ذلك، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين، وربك أعلم بالمهتدين.
وقيل قال له موسى: تؤمن بما جئتُ به، وتعبد ربّ العالمين؛ على أن لك شبابًا لا يَهْرَم إلى الموت، وملكًا لا ينزع منك إلى الموت، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة، فإذا متّ دخلت الجنة.
فهذا القول اللين.
وقال ابن مسعود: القول اللين قوله تعالى: {فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى} [النازعات: 18 19].
وقد قيل إن القول اللين قول موسى: يا فرعون إنا رسولا ربك ربّ العالمين.
فسماه بهذا الاسم لأنه كان أحب إليه مما سواه مما قيل له، كما يسمى عندنا الملك ونحوه.